التضامن في موريتانيا .. فتش عن السبب!
سعدبوه ولد الشيخ محمد المدير الناشر لموقع الوسط خلال بث الحلقة
أقترح على النظام في موريتانيا أن يقدم طلبا رسميا للجنة "كينس" للأرقام القياسية كي ترسل وفدا لموريتانيا، وتحقق في استخدام كلمة "تضامن" وتقارنها باستخدامها في البلدان الأخرى، فستحقق موريتانيا رقما قياسيا جديدا، كأكثر بلد " يتضامن" نتضامن مع البشرـ والحجر، والمدر، نتضامن مع من غاب، ومن حضر، نتضامن مع الإبل، والحمير، والبقر.
الإسلام يعلمنا أن المسلم للمسلم كالبنيان، يشد بعضه بعضا، ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يقول:" مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
هكذا حدد الإسلام معيار التضامن، وحث عليه، لكن في بلادنا إذا أمعنت النظر في أشكال التضامن، ومناسباته تجد العجب العجاب، فمثلا مئات – بل آلاف- الأساتذة والمعلمين العقدويين يتعرضون لقطع رواتبهم، وعدم ترسيمهم رغم وعود الرئيس لهم، ولا تجد من يتضامن، أو يحتج أمام الوزارة، أو يحرك جنود الفيسبوك، وفي المقابل أستاذ واحد يتم تحويله لمقر جديد للعمل فتضج ساحة فيسبوك لخالقها بالتدوينات، والتعليقات "المتضامنة" والمنددة، والشاجبة، علما أن الأستاذ هذا لم يحول إلا إلى بقعة غالية من وطن، التزم مسبقا بالخدمة في أي نقطة منه، تفتش عن السب، فتجده في الخلفية السياسية، تلك الآلاف المؤلفة من الأساتذة، والمعلمين مختلطو الولاء، أو بعبارة الحرب لا يـُضمن ولاؤهم، وذلك الأستاذ هو قيادي ميداني بارز في حزب سياسي معارض، ولذلك – وذلك وحده- استحق التضامن دون غيره، وفي حالة أخرى يتم قطع راتب أستاذ لسبب قانوني ولشهر واحد، فيتحول ذلك إلى عنوان بارز على بعض المنابر الإعلامية، في حين كثيرا ما يتعرض مئات العمال لقطع الرواتب لسبب، أو لآخر، ولا أحد يسأل عنهم أصلا، فتش عن السبب !.
يقوم طلاب من جامعة انواكشوط بالاحتجاج، والإضراب، والتظاهر، فتجد من ينفخ في ذلك، ويصب زيته على ناره، ويمني نفسه بأن تكون هبة طلابية تمهد للثورة المتعذرة، ويوصف هؤلاء الطلاب المحتجين بكل أوصاف التمجيد، والتغرير بهم، ويتم استغلالهم سياسيا، وإعلاميا أبشع استغلال، وبعد أيام تقرر ثلاث هيئات صحفية، تضم آلاف الطلبة التجمع في كيان موحد، وتعلن دعمها لسياسة النظام، ورفضها للفوضى، فتجد من كانوا يتضامنون مع زملائهم بالأمس يلعنونهم اليوم، ويصفونهم بأقبح الأوصاف، ويخونونهم، ويشعلون فيسبوك ضدهم، تستغرب، فتبحث عن سر التناقض، فتجد السبب، وإذا عـُرف السبب، بطل العجب، تجد المعيار السياسي هو الحاسم، فمن يرفع أي شعار ضد النظام، أو مع الفوضى يستحق تضامن هؤلاء، ومن يسكت لا يستحق التعليق، ومن يجاهر بدعم النظام يتم إعلان الجهاد ضده، وبكل الوسائل، هكذا هي المعادلة ببساطة !!!.
تقرر السلطات المعنية تعليق التدريس في بعض المعاهد الدينية لحين استكمال بعض الإجراءات القانونية، والإدارية، يطلق هؤلاء حملة شعواء ضد الحكومة، ويصورونها كما لو كانت لا هم لها سوى محاربة الإسلام، والمسلمين، ومن يتابع ما يكتبون، ويقولون يـُخيل إليه أنهم يتحدثون عن حكومة ميانمار، أو الكيان الصهيوني، وليس عن حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بعد أسابيع قليلة يقرر مجلس الوزراء إعادة الاعتبار لمادة التربية الإسلامية، وزيادة ضاربها، وفرضها على كل الشعب، ويؤكد وزير الشؤون الإسلامية في مؤتمر صحفي أن الوزاري قرر ذلك للوقوف في وجه الإلحاد، وتحصين أبنائنا منه، وإعطاء التربية الإسلامية المكانة التي تستحق، تعاملوا مع هذا القرار الهام من أعلى سلطة في البلد بتجاهل، أو استحياء، أو فتور، فالإلحاد، والتربية الإسلامية، بل والإسلام نفسه، كل ذلك لا يهمهم إلا عندما يكون صالحا لأن يـُستغل لتحقيق عائد سياسي مباشر، وفي هذه الحالة يتعذر ذلك، فالتجاهل أفضل!.
عشرات المدارس، بل المئات تعاني من وضع مترد، لا يسمح باستفادة آلاف الأطفال من التعليم المناسب، ومع ذلك لا نجد من يحتج، أو يتضامن، أو يتبرع لهم، وعدم سفر 14 طفلا إلى قطر يعتبرونه كارثة وطنية، وإذا فتشت عن السبب، سيبطل العجب!.
هكذا هي معايير التضامن عندنا، سياسية بامتياز، وهو ما أفقد المتضامنين تأثيرهم، وأفرغ مواقفهم من معناها الإنساني، وحولها إلى فعاليات سياسية محضة.
سعدبوه ولد الشيخ محمد