هكذا هي الأحزاب السياسية في موريتانيا..
في موريتانيا لا يوجد أي احترام للتخصص، ولا الاختصاص، ولعل الأحزاب السياسية في البلد تعكس الوجه الأبرز لهذه الظاهرة، فمعلوم أن الحزب السياسي هو: " تنظيم يضم مجموعة من الأفراد لها تصور فكري مشترك وتعمل على تعبئة الرأي العام لصالحها ، من أجل الوصول إلى السلطة" إلا أن معظم أحزابنا السياسية لا ينطبق عليها هذا التعريف بجميع عناصره، فعبارة " تنظيم" تنعدم في بعض أحزابنا، إذ هي مُشخصنة في شخص القائد، تُسمى باسمه، وتأتمر بأمره، وهي بذلك أبعد ما تكون عن فكرة التنظيم، والمأسسة، وعبارة " سياسي" أيضا أمامها علامات استفهام كثيرة، فالعديد من أحزابنا لا تكاد تميز بينها، وبين الجمعيات الخيرية، والفرق الوحيد بين الإثنين هو أن الجمعيات الخيرية لا تبتغي مردودا ربحيا من أنشطتها، وخدماتها، في حين أن الأحزاب تحرص كل الحرص على جني أرباح أي كوب ماء تقدمه لمواطن، فمبدأ (إنما نُطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) لا وجود له في قواميس السياسة، فكل شيء له ثمن، فالكلام له ثمن، والسكوت له ثمن أيضا.
كما أن بعض أحزابنا لا توجد فكرة جوهرية، أو أيديولوجية تجمع منتسبيها، فالمصلحة الشخصية في الغالب هي القاسم المشترك، لا الفكر، أو التوجه، ولعل هذا الواقع هو ما جعل موريتانيا – التي لا يتجاوز سكانها 3 مليون ونصف، يوجد بها نحو 100 حزب سياسي، في حين أن الدول العريقة في الديمقراطية، ويُعد سكانها بمئات الملايين، لا يبلغ عدد أحزابها أحيانا العشرة.
وضمن فوضوية الاختصاص هذه أصبحت عندنا أحزاب سياسية لا هم لها، ولا وظيفة سوى طباعة بيانات الشجب والتنديد بما تفعله السلطة، وبما لم تفعله، واستجداء العالم للتدخل لإنقاذ موريتانيا من كوارث محققة، ومُحدقة بالبلد، ومن يطالع بيانات تلك الأحزاب يعتقد أن موريتانيا بلد آئل للاندهار، والانقراض لا محالة، وربما لم تعد المنظمات الدولية تُعير أي اهتمام لهذه الأحزاب من كثرة بياناتها الاستعجالية.
في حين نجد أحزابا أخرى ترسل بضع قنينات زيت، وبعضا من الأرز، وتُنفق تلك الأحزاب في الدعاية الإعلامية لهذه المواد، وترويج هذا التدخل مبالغ تفوق قيمة المواد الغذائية نفسها، ما يعني أن هذه الأحزاب تعتبر أي مساعدة تقدمها للمواطنين بمثابة
" استثمار" يجب التربح منه، والاستفادة من ريعه السياسي.