النشيد الوطني.. دواعي التغيير، ومبررات الإبقاء
يكثر القيل والقال هذه الأيام حول تغيير النشيد الوطني، وهو جدل قديم متجدد، وينقسم المتجادلون بين فسطاطين اثنين لا ثالث لهما، فريق يرى بضرورة التمسك بالنشيد الحالي، ويعتبر تغييره، بل ومجرد الحديث عن ذلك كفرا بواحا، وخيانة عظمى، وفريق يرى الأمر قابلا للنظر، والنقد، بل ويطالب بتغييره صراحة.
لكن أمورا كثيرة تغيب عن الفريقين، ربما وجب توضيحها للجميع، وقبل ذلك لا بد من التنويه إلى أن كثيرا ممن يصرون على الاحتفاظ بالنشيد الحالي لا يحفظون كلماته، أحرى أن يحيطوا علما بفهمه، واستيعابه، كما أن من يطالبون بتغييره كثير منهم لا يدري لماذا هو يطالب بذلك.
أولا: النشيد، والوطن
مما لا شك فيه أن النشيد الوطني بالنسبة لأي بلد، وأي شعب يمثل واحدا من أهم رموز السيادة الوطنية، لذلك يقف الجميع احتراما للنشيد الوطني في عيد الاستقلال، وفي صباح كل يوم في ساحات المدارس، إلا أن المطالبة بتغيير النشيد الوطني لا تعتبر بالمرة " إهانة " له، ولا تقليلا من مكانته، فكثير من البلدان غيرت نشيدها الوطني أكثر من مرة، تماما كما غيرت دساتيرها عديد المرات، حسب مقتضيات الواقع، وإرادة الشعب، ورغبته، فكما أن تغيير النشيد الوطني دون استفتاء شعبي يعتبر مصادرة لرأي الشعب، فإن قمع مطالبة فئات عريضة من المواطنين بتغييره هو مزايدة على الشعب في الوطنية، وعموما فالمسألة بسيطة للغاية، ولا تستحق كل هذا التخوين، والتخوين المضاد، فالإبقاء على النشيد الحالي لا يعتبر خطرا يتهدد البلاد والعباد، كما أن تعديله، أو تغييره ليس كارثة وطنية، وخيانة عظمى.
ثانيا: دواعي التغيير، ومبررات الإبقاء..
لا يخلو أي رأي من الرأيين من وجاهة، ومسوغات معقولة، فمن يطالبون بالإبقاء على النشيد الحالي يتحججون بأنه يعكس هوية الشعب الموريتاني المسلم بالكامل، ويحث على التمسك بقيم الإسلام، ورفض البدع، ولا يتضمن ما يجعل البعض يطالب بتغييره – برأي هذا الفريق-، كما أن من يطالبون بتغييره يتحججون بأن النشيد الحالي أشبه بخطبة جمعة منه بنشيد وطني، ولا يتضمن أي جملة تتحدث عن الوطن، وضرورة التضحية من أجله، فضلا عن مآخذ شكلية عديدة.
من المعلوم أن النشيد الوطني الموريتاني لم يتم تأليفه في الأصل ليكون نشيدا وطنيا، لأنه سابق لتأسيس الدولة الموريتانية الحديثة، فهو أبيات شعرية قالها الشيخ باب ولد الشيخ سيديا في القرن التاسع عشر، ردا منه على حملة الابتداع في الدين، بمعنى أن النشيد الحالي لم يُفصل على مقاس الأناشيد الوطنية للدول.
وربما تغيب هذه المعلومات التاريخية عن العديد ممن يرفضون تغيير النشيد الحالي، علما أن موريتانيا – كما توصف- هي بلاد المليون شاعر، تمتلك من الشعراء من يستطيعون تأليف نصوص شعرية، أو نثرية قد تكون أكثر ملاءمة لتكون نشيدا وطنيا.
من الجدير بالتنويه أن الجدل المُثار حاليا حول تغيير النشيد الوطني تغيب عنه السلطة الرسمية، دعما، أو معارضة للفكرة، على الأقل في شكل مواقف رسمية مُعلنة، وهي ظاهرة صحية، تُعطي للقضية بُعدها الشعبي المحض، وكأن النظام، أو السلطات تقول للمواطنين: ناقشوا الفكرة بتأن، واستفاضة، وما توصلتم إليه سنعتمده، طالما كان رأي الأغلبية.
إن النقاش حول تغيير النشيد الوطني هذه الأيام يبرز ظاهرة سلبية للغاية هي ظاهرة التخوين، وادعاء الوطنية المُطلقة، واحتكارها، في حين أن الموضوع كان بالإمكان أن يُطرح للنقاش، ويتم تداول الآراء حوله، مع احتفاظ الجميع بوطنيتهم، ودون أي تجريح لأحد، لأن مبدأ التخوين، والتجريح على أساس الرأي أمر مرفوض، طالما بقي الرأي في حدود المُباح، ولم يصل صاحبه حد الخروج من الملة، فاختلاف الآراء لا يُفسد للود قضية.
ثالثا: موقفي الشخصي من القضية..
باختصار شديد أنا لست مع تغيير النشيد الحالي بطريقة ارتجالية، وبجرة قلم، ولست كذلك مع الإبقاء عليه، كنص لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل إنني أؤيد نقاشا مستفيضا حول الموضوع يُشارك فيه الجميع، وإذا حصل إجماع، أو أغلبية لتغيير النشيد، فليكن النشيد الجديد محل إجماع، ويُراعي جميع الاعتبارات الدينية، والوطنية، ويعكس الخصوصية الموريتانية، ويرى فيه جميع مكونات الشعب أنفسهم.
بقلم: سعدبوه ولد الشيخ محمد
