أن تقرأ كخنزير (رأي حر)
ضمن إطار القراءة تتجلى ظواهر عديدة، منها ما هو ذو طابع مرضي، انحرافي. من تلك الظواهر المرضية، الانحرافية، ما يمكن أن نسميه: أن تقرأ كخنزير.
من الجدير بالذكر أن الظواهر تتداخل فيما بينها، وقد تلتبس إحداها بالأخرى؛ بل هي قد تتداخل في المرء نفسه. وتُعرّف الظاهرة من تميّزها، الذي هو نتيجة تكرار بكيف معيّن.
ظاهرة دودة الكتب، ليس قصد الطرح تناولها، بإطلاق مسمى آخر عنها، ولا بتناول من يقرأ كثيرًا، أو من يقرأ سريعًا، أو من يقرأ صنفًا معينًا أو عدة أصناف.
يقول فريدريك نيتشه: “أما مضغ وهضم كل شيء فهذه خاصية حقيقية تميّز الخنزير”.
أن تقرأ كخنزير هو أن تمارس فعل القراءة لمجرد القراءة. لا يهم القارئ، المُجسّد لهذه الظاهرة، أن يكون ذا وعي حين يقرأ. بغض النظر عن كمية ما يقرأ، أكثيرة هي أم قليلة في مدة زمنية معينة؛ فالكيفية التي يقرأ فيها كتاب في الفيزياء هي هي الكيفية التي يقرأ فيها رواية في الأدب. وليس مهمًا عنده ما يقرأ -أي نوعية ما يقرأ- بقدر ما يهمه كمية ما قرأ ويقرأ.
قد يقرأ، ظاهرتنا هذه، ألف كتاب في العام، وقد يقرأ ثلاثة كتب في العام. صحيح أن ظاهرتنا همه كمي لا كيفي، لكن لا يدفعه ميله للكم للقراءة المكثفة دومًا؛ بل إن نزعته الكمية قد تكون سببًا في تثبيط همته للقراءة.
قد يورد هذا القارئ بعض معلومات مما قرأه، لكنه يوردها كالببغاء. كالببغاء الذي يعيد ما سمعه دون وعي. كمثال: “قرأت بؤس الفلسفة لكارل ماركس، وهو فيه يرد على برودون، والكتاب اقتصادي. والآن، سأبدأ بقراءة تاريخ موجز للزمن لستيفن هوكنج، وبعدها سأقرأ رواية الأنفس الميتة لغوغول… إلخ”. هذه القراءة لا تكتفي بغياب الوعي، بل وتماثل بين الكيفيات، جاعلة منها كيفية واحدة: كيفية عقيمة.
من الجيد أن تنوّع في قراءاتك وألا تنغلق بنفسك في صنف معيّن؛ لكن لا يكون هذا القول مبررًا لهذه الظاهرة ودعمًا لها.
“سأبدأ تحدي قراءة مئة كتاب”، هذا التحدي ساد بين الكثير. لكن، بدل أن يكون ذا مردود إيجابي؛ كان مردوده سلبيًا، سلبيًا حتى في عدمية مردوده. فما الفائدة من أن تقرأ وتقرأ وتقرأ دون وعي ما تقرأ، ودون نقد ما تقرأ، ودون أن تبني على ما تقرأ؟! أن تقرأ كتابًا واحدًا بوعي في العام كله أفضل من قراءتك لمئة كتاب في الشهر دون وعي.
قد تكون أحد هؤلاء القراء من تمثلت فيهم هذه الظاهرة، لا بأس؛ فعلى الأقل أنت قارئ. لا، بل هو من شديد البؤس؛ فألا تقرأ خير من أن تقرأ كخنزير.
موسى كاران