جائزة نوبل لـ«البغدادي»... او ابن بيه! (رأي حر)
على أن جائزة نوبل غربية، إلا أن أحداً من كارهي الغرب لا يستطيع نكران أنها أعلى مرتبة تكريمية على مستوى العالم، وفي مثل الأسابيع الماضية من كل عام يراقب العالم من يُمنح ذلك المجد!
وعلى رغم أن الجائزة في بعض فروعها مستقلة تماماً، بحسب يوثق بعض المتابعين لتاريخها، إلا أنها في ما اتصل بالجانب السياسي، غدت متلونة بالهوى الغربي في المنطقة، وكان آخر دليل منحها أخيراً بالشراكة، للناشطة اليمنية توكل كرمان، ما اعتبر تقديراً للربيع العربي، الذي كان سالباً في ما بدا للب الغربي في 2011.
لكن بالنظر إلى أهم معركة يخوضها العالم منذ أكثر من عقد حتى الآن، ضد الإرهاب، ظلت الجائزة، غير آبهة بالدور الايجابي للتيار الإسلامي المعتدل، الذي قبل أميركا وحلفائها، قاد «الحرب على الحرب» التي يخوضها تنظيم «القاعدة»، والتيار «الجهادي».
هذا التيار الذي تمثله مؤسسات مثل الأزهر، وهيئة كبار العلماء في السعودية، وشخصيات إسلامية مثل طارق رمضان، وعبدالله بن بيه، يعني تجاهُل الدور الفعال الذي يقوم به رمزياً، تحفيز ضده الذي يمثله خليفة الموصل، والظواهري، و«حزب الله»، وغيرها.
أهمية تلك الأصوات بما يجعلها جديرة بلفتة «نوبل»، يمكن استيعابها أكثر، إذا تصور العالم المتقدم، أن إجماع الفقهاء المسلمين اليوم ضد التطرف والإرهاب العشوائي تحت ذريعة «الجهاد»، إنما هو مع تيار العنف وليس العكس.
صحيح أن العلماء المسلمين ينطلقون من ضميرهم الديني، والحرص على أوطانهم المكتوية بالإرهاب أيضاً، إلا أن هذا الدور، بات اليوم أحوج ما يكون إلى قفزة، تعلي من شأنه أو تزيد صوته ارتفاعاً. فالتطرف الذي كان بارز الخطر سابقاً، غدا اليوم مختلطاً بمآرب مذهبية، ومظالم شعبية، وحقوق أقليات، كما في العراق وسورية، فيكاد صوت العواطف يغلب الجرس الديني العقلاني.
ماذا لو أن مفتي الأزهر اليوم يصدر الفتاوى مسانداً لغزوات «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ومفتي السعودية وعلماء المغرب العربي يناصرون بفتاواهم، تنظيمات «النصرة»، وفلول «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«أنصار الشريعة» وبقية الأسماء؟
إن استشهاد أوباما أخيراً بمقولة العلامة الموريتاني - السعودي عبدالله بن بيه، وإن كانت جاءت في سياق إعلاء صوت الاعتدال في المنطقة، كما قرأها البعض، هي في نظر آخرين من باب «الفضل الذي شهد به الأعداء»، مثلما حاول تيار العنف استغلالها، كدليل على أن صوت الاعتدال إنما يناصر الرؤية الغربية، ولذلك تناصره وتشيد به.
بينما المتابعون للمعركة ضد التطرف، يعرفون أن بن بيه، الذي قاد مبادرات فكرية عدة تستهدف الجنوح إلى «السلم»، من جانب الدول والتيارات والشخصيات، يناضل عقوداً على هذا النهج، وحيداً تارة، ومع جهات ومؤسسات وزملاء يختلف معهم أو يتفق تارة أخرى.
الخلاصة، أن «صوت الاعتدال» الديني، في وقت تشهد المنطقة والعالم معركة شرسة متشعبة، يستحق التكريم، إن كان في أشخاص أو هيئات أو مواقف، وإلا كان تجاهله تكريماً للتيار المضاد، فلا يكون تفسير ذلك إلا بما ذكره الزميل في هذه الجريدة حازم صاغية عن «رغبة في أن يكون العنف المحض شكل التعامل الوحيد مع البيئة السنّيّة».
*صحافي من أسرة «الحياة».