في تقريرها الأخير عن “الإرهاب” في العالم لعام 2015، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم “داعش”، استطاع هزيمة تنظيم القاعدة والتفوق عليه بتصدر الهجمات “الإرهابية”؛ بسبب “تكتيك جديد” هو استخدام أسلوب “الذئاب المستوحدة” أو “الذئب الوحيد” lone wolf، الذي لا يعتمد على هجمات جماعية كما حدث في 11 سبتمبر وإنما بفرد واحد مقطوع الصلة عن الآخرين، بما يصعب مهمة تتبع المسؤولين عن الجرائم التي تقع.
وقد التقطت مراكز بحثية ومواقع عبارة “الذئاب المستوحدة” وركزت عليها لتؤكد أسباب تفوق “داعش” مؤخرًا وتنفيذه عمليات تتخطى الحدود، كما حدث مؤخرًا في كل من تونس وفرنسا والكويت، وقبلها السعودية وفرنسا، وحادثة طعن مدرسة أمريكية في إمارة “أبو ظبي” العام الماضي، وغيرها.
من هم “الذئاب المستوحدة”؟
ظاهرة “الذئاب المستوحدة”، هم أشخاص اعتنقوا التطرف ذاتيًا، وينفذون عمليات إرهابية من دون أي صلة تربطهم بجماعات إرهابية، وبعضهم يتحرك بناء على قناعة بما يطلبه قادة داعش من قتل للأجانب أو الشيعة، ويلاحظ أن أغلب العمليات التي جرت (ومنها عملية قتل اليهود في فرنسا) قيل على لسان من نفذوها إنهم فعلوا هذا بناء على “تكليف” من قادة في داعش أو القاعدة دون أن يروهم أو يتصلوا بهم، ولكنهم علموا بما طالبوا به عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وسبق أن حذرت من هذه الظاهرة العام الماضي السيناتورة دايان فينستسن، عضو لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، الذي قدر عدد المقاتلين بصفوف “داعش” ما بين 30 و40 ألفًا، لكنها قالت إن مشكلة “الذئاب المستوحدة” هي الأكبر؛ لأنهم أشخاص يقومون أو يخططون لعمليات إرهابية باسم جماعة متطرفة معينة دون الحصول على أي دعم أو صلة بها.
وقالت في 26 أكتوبر الماضي: “أعتقد أن مسألة الذئاب المستوحدين مشكلة كبيرة، ومن هذه المشكلة الإنترنت وبعض المتشددين المسلمين الذين يقومون بتأجيج هذه الظاهرة، وتعدد الهجمات في العام 2014 يظهر بأن الدعايات التي يقومون بها لها تأثير فعلي“.
وأضافت السيناتورة دايان فينستسن: “الطريقة الوحيدة لمواجهة ظاهرة الذئاب المستوحدين هي الاستخبارات، وهذا أمر صعب؛ لأنه يتطلب سبلًا تكنيكية والأمريكيون لا يستسيغون بالضرورة مثل هذه السبل“.
بدأتها “القاعدة” وتبنتها “داعش”
وتعود جذور ظاهرة “الذئاب المستوحدة” إلى أوائل عام 2000، أي قبل ظهور “الدولة الإسلامية” المعروفة إعلاميًا بـ”داعش”؛ حيث اعتمدها “تنظيم القاعدة” من قبل بصورة جزئية بعد التضييق عليه، وكان أكبر مشجع لها هو الداعية اليمني الأمريكي أنور العولقي.
حيث كان يكتب ويشجع على ظهور الذئاب المستوحدة في مجلة القاعدة التي تصدر باللغة الإنجليزية باسم “إلهام” أو Inspire، ورغم أن العولقي قُتل في غارة أمريكية لطائرة بدون طيار في اليمن عام 2011؛ إلا أن “إلهام” العولقي وصل إلى العديد من الأشخاص، خاصة مع ثورة الإنترنت واتساع رقعة مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
إذ إن إصدار القاعدة لهذه المجلة الإلكترونية جاء متزامنًا مع زيادة أعداد المتأثرين بالقاعدة في الدول الغربية، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، ولدى بعض الأشخاص من أصول غربية، فضلًا عن ذوي الأصول العربية والإسلامية.
وقد استفاد داعش والقاعدة من الشبكة العنكبوتية في التواصل مع هذه “الذئاب المستوحدة”، وخلقت الشبكة فرصًا كبيرة لا حدود لها للحصول على إرشادات حول صنع القنابل محلية الصنع، وخرائط ورسوم بيانية لأهداف محتملة متوفرة ومتاحة، فضلًا عن نقل التعليمات بشكل عام وتوجيه الأفراد الغاضبين نحو هذه الأهداف.
“ذئاب” من غير المسلمين
وظاهرة الذئاب المستوحدة ليست خاصة بالمسلمين فقط، فقد ظهر أكثر من ذئب مستوحد من المسيحيين واليهود وغيرهم، في أكثر من دولة؛ وكانت دوافعهم إرهابية وعلمانية ودينية وجنائية وأيديولوجية، وأشهرها حادثة أندرس بريفيك، الذي فجر سيارة مفخخة في العاصمة السويدية أوسلو ثم سافر إلى جزيرة وقتل 77 شخصًا في مخيم صيفي للحزب الحاكم، ولم تكن دوافعه دينية بقدر ما هي سياسية يمينية متطرفة.
وأيضًا حادثة تيموثي ماكفي، الذي قتل 168 شخصًا في مبنى حكومي في أوكلاهوما سيتي عام 1995؛ انتقامًا لمهاجمة مجمع عبادة للديانة المسيحية، وكانت دوافعه دينية مسيحية، وتم اتهام المسلمين فيها بداية قبل أن تظهر الحقيقة، وغيرها الكثير.
تويتر وفيس بوك شبكتا قيادة وتحكم للإرهابيين!
ولم يأت الاتهام الذي وجهه رئيس الاستخبارات البريطانية، ريتشارد هانيجان، لعدد من شركات التقنية الأمريكية العاملة في وادي السيليكون بأنها أصبحت شبكات القيادة والتحكم المفضلة للإرهابيين، محددًا موقعي التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر” بأنهما أصبحا من شبكات قيادة وتحكم للإرهابيين والمجرمين، كاشفًا أن عناصر “داعش” في العراق وسوريا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لترهيب الناس، وإلهام المتطرفين المحتملين من كل أنحاء العالم للانضمام إليهم.
فرغم الاختلافات في الخلفية والتخطيط بين مرتكبي الحوادث الفردية، بحسب التقرير الأمريكي؛ إلا أنه يمكن تتبع عوامل مشتركة بينهم، هم ليسوا في الواقع وحيدين، ولكنهم تواصلوا مع العالم الافتراضي على الشبكات الاجتماعية وحصلوا على التدريب والتجنيد عبر غرف الدردشة أو موقعي “فيس بوك” و”تويتر”.
وقد أظهرت تصريحات رئيس الاستخبارات البريطانية أن الحكومات المعنية بهذه الحرب على التطرف غير قادرة على التصدي لظاهرة “الذئاب المستوحدة” وحدها بدون التعاون مع شركات القطاع الخاص المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، بمعنى التجسس على المشتركين.
لكن، يبقى (اختراق خصوصية المشتركين) هو المعضلة أمام هذه الحكومات التي تصنف على أنها ديمقراطية؛ ما يعني اختراق قوانين جعلت من هذه الدول ديمقراطية، بل إنها انتقدت دولًا عربية ودولًا من العالم الثالث لإجراءات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.
“داعش” يكسب
وبحسب التقرير، فإن عدد الهجمات الإرهابية في عام 2014 زاد بنسبة 35 % عن السنة السابقة، ولكن الهجمات الأعنف تركزت في خمس دول؛ حيث وقعت 60 % من هذه الهجمات في العراق وباكستان وأفغانستان والهند ونيجيريا، بحسب (الاتحاد الوطني لدارسات الإرهاب والتعامل مع الإرهاب) التابع لجامعة ميريلاند، الذي يعد الإحصاءات حول الإرهاب في العالم.
ويلحظ التقرير أيضًا زيادة خلال العام الماضي في الأساليب العدوانية والوحشية التي يقوم بها الإرهابيون في هجماتهم، من قطع الرؤوس، والصلب، والقتل الجماعي، والخطف، واحتجاز الرهائن. كما يشير إلى إصدارات “داعش” الدعائية عبر الإنترنت، متبوعة بإعادة نشر سريع، ومتابعة الروابط والترجمة إلى عدة لغات، بالإضافة إلى الإجابة السريعة من قبل أعضاء في التنظيم عن الأسئلة المتعلقة بكيفية الالتحاق بالتنظيم.
وبحسب ما تسميه الخارجية الأمريكية “مؤشر الإرهاب” لعام 2014، طالت عمليات الذئاب المستوحدة التابعة لأنصار داعش العديد من الدول الغربية والعربية، واتخذ مستوى الإرهاب في العالم مسارًا تصاعديًا؛ فعدد الوفيات نتيجة للعمليات والهجمات الإرهابية ارتفع منذ عام 2000 حتى اليوم خمسة أضعاف، أي بنسبة 61 %. فيما كان العدد أقل في الدول الصناعية؛ إذ شهدت هذه الدول 5 % من العمليات الإرهابية، ولكن 25 % من هذه الهجمات نفذها من يعرفون بـ “الذئاب المستوحدة”.
ورغم التنامي المطرد والسريع لظاهرة “الذئاب المستوحدة”؛ إلا أن تركيز الحكومات وأجهزة الشرطة والاستخبارات ومحاولة دراستها ومعرفة النمطية التي يعملون بها استمر ولا زال، ولم تأخذ فكرة دراسة ظاهرة “الذئاب المستوحدة” القدر الكافي من اهتمام الأجهزة. ولهذا؛ طالب التقرير حكومات الدول المتحالفة في الحرب على الإرهاب بكل أشكاله أن تعطي اهتمامًا أكبر لدراسة هذه الظاهرة، خاصة أن خطرها أكبر ولها تأثيرًا أعمق على المجتمعات الديمقراطية والمدنية، وفي المستقبل المنظور ربما تشكل “الذئاب المستوحدة” خطرًا لا يستهان به.
فمن وجهة نظر وزارة الخارجية الأمريكية، هزم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) القاعدة في تصدرها للجماعات الإرهابية، وأن “الانتشار غير المسبوق والوحشية التي يمارسها داعش، وقدرته الكبيرة على تجنيد المقاتلين الأجانب، وإيصال الرسائل، وإلهام الذئاب المستوحدة لشن هجمات، ساعده في احتلال موقع الصدارة بدلًا من تنظيم القاعدة في قيادة الإرهاب العالمي“، بحسب التقرير السنوي حول الإرهاب الذي أصدرته الخارجية الأمريكية.
ويقول التقرير بأن كلا التنظيمين يتبنى تكتيكاته بطرق أكثر وحشية، وصعوبة في تعقب آثارها، و”إن تصاعد التهديدات التي يمثلها تنظيم القاعدة تراجع في عام 2014“. ووجد التقرير أن هناك خسارة واضحة للدور القيادي لتنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان، ولاحظ أن “قيادة القاعدة تظهر أيضًا خسارة للزخم كقيادة ذاتية لحركة عالمية في مواجهة تنظيم داعش الذي تمدد بسرعة كبيرة، وأعلن قيام دولة الخلافة“.
الحرب السورية “عامل رئيس”
ويصف التقرير الحرب الأهلية في سوريا بأنها كانت “عاملًا رئيسًا” خلال السنوات الأخيرة في الهجمات الإرهابية حول العالم، بالرغم من وقوف المجتمع الدولي في مواجهة التنظيم، وقرار الأمم المتحدة الذي اعتبر سفر المقاتلين الأجانب إلى مناطق القتال غير قانونية؛ حيث سافر أكثر من 16 ألف مقاتل إرهابي إلى سوريا خلال عام 2014، طبقًا للتقرير، معظمهم التحق بتنظيم “داعش”.
وقد تجاوز عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين سافروا إلى سوريا نسبة المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال خلال العشرين عامًا الماضية، بحسب التقرير، الذي ألقى اللوم أيضًا على ضعف الحكومات ليس في سوريا والعراق فحسب، بل أيضًا في اليمن وليبيا؛ حيث تنتعش الجماعات الجهادية.
وكشف تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي حول الإرهاب العالمي عن مقتل ما يقرب من 33 ألف شخص، وجرح 34700 شخص فيما يقرب من 13500 هجمة إرهابية في جميع أنحاء العالم عام 2014.
تقارير أجنبية عن “الذئاب المستوحدة”
وقد خلص تقرير أعده ماثيو ليفيت وريان يوكيليس لـ “معهد واشطن لسياسة الشرق الأدنى” حول “النتائج المستخلصة من التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن تنامي تنظيم الدولة الإسلامية“، بأن المسؤولين عن مكافحة الإرهاب يواجهون “مجموعة جديدة من المشاكل بفعل تزايد الهجمات الفردية، كما هو الحال في أوتاوا وسيدني وبروكسل“.
وأشار إلى أن استراتيجية داعش المخططة أدت بشكل منهجي إلى تناميه السريع، و”ما زالت هذه الاستراتيجية تُثبت نجاحها؛ فنظام التمويل المعقد والمتنوع الذي تعتمده الجماعة، والتجنيد الفعال للمقاتلين الأجانب، وقدرة التنظيم على نشر أيديولوجيته، جميعها عوامل أدّت إلى تسهيل توسعه؛ انطلاقًا من قاعدته الصغرى في شمال سوريا إلى شبه دولة تمتد على مساحات كاملة في شمال سوريا وشمال العراق، تضم الملايين من الناس وعشرات الآلاف من المقاتلين“، بحسب التقرير.
ولكن التقرير قال إنه “بفضل تعاظم الجهود العالمية التي تسعى إلى مكافحة تنظيم (الدولة الإسلامية)، لم تعد الجماعة قادرة على إحراز المزيد من التوسع، وإن تنظيم داعش قد بلغ أقصى حدوده الجغرافية والديموغرافية في العراق وسوريا؛ وبالتالي فهو يقوم اليوم بالتفرع عبر إنشاء مجموعات منشقة في أماكن مثل ليبيا واليمن“.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن “هذه الهجمات قد تنبئ بحقبة جديدة أصبحت فيها القيادة المركزية لمنظمة إرهابية أقل أهمية، وهوية التنظيمات أكثر مرونة، والأحداث المتطرفة العنيفة أكثر تركيزًا على مجموعة أوسع من الشكاوى والأعداء المزعومين الذين قد تتماهى معهم عناصر فردية فتسعى إلى تنفيذ هجمات من تلقاء ذاتها“.
كذلك، قال تقرير لموقع “ديبكا فايل” الاستخباري الإسرائيلي إن التكتيك الجديد الذي بدأ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اتباعه “من شأنه أن يصعب على أجهزة الاستخبارات تتبع نشاطاته، أو منع عملياته؛ حيث الشخص الوحيد الذي ينفذ التفجيرات دون أن يظهر أي أثر لعلاقة له مع أحد، وهو ما يجعل تتبع عمليات التنظيم أمرًا صعبًا“.
وبعنوان “عنف (الذئب الوحيد) العالمي يُعرقل محاربة الغرب للعنف“، قال تقرير ديبكا إن أسلوب الذئب أو المنفذ الوحيد lone wolf “ليس عشوائيًا، وكل شيء معد ومخطط له من البداية، وعناصره تخطط لعملياتها بنفسها أو عبر مجموعات من عنصرين أو ثلاثة عناصر كحد أقصى بشكل حذر ولوقت طويل، وتختار أهدافها وفقًا لعدة معايير، أهمها عدد القتلى؛ فكلما كان العدد المتوقع أكبر كان الهدف أفضل، وإن قطع الرؤوس أكثر الطرق لبث الرعب في مسرح العملية“.
واعتبر الموقع الإسرائيلي أن عصر أسامة بن لادن المعروف بالعمليات الضخمة قد انتهى، ولم تعد الآن هناك حاجة لمجموعة من 20 عنصرًا تختطف طائرة ركاب وتسقطها على أهداف استراتيجية لقتل آلاف الأشخاص، مثلما حدث في تفجيرات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، ولكن يكفي شخص واحد لتنفيذ عملية تسفر عن عدد كبير من القتلى والمصابين، مثلما حدث في مدينة سوسة التونسية الجمعة 26 يونيو؛ حيث تنكر مهاجمان اثنان في هيئة سياح أجانب على شاطئ البحر، ثم راحا يطلقان النار بشكل كثيف وعشوائي على كافة السياح الذين كانوا مستلقين على الشاطئ فقتل 39 منهم.
تقرير جمال محمد / صحيفة التقرير