صورة تخدم النص
أثار ما بات يُعرَف بـ"جهاد النكاح" في سوريا جدلاً كبيراً، في دول عربية عدة وعلى المستوى الإسلامي كما الإنساني، وما كشفت عنه تقارير إعلامية مؤخراً في تونس، دليل واضح على المستوى الذي بلغته آثار هذه الظاهرة، التي يتّخذها البعض مادةً لإدانة المعارضة السورية. وبعض آخر يرى أنها "تضليل وافتراء" لتشويه الثورة السورية. وأمام هذا التباين والوقائع المتداولة، نحاول إلقاء الضوء أكثر على هذه الظاهرة ونتائجها، وموقف الشرع الإسلامي منها..
ما هو "جهاد النكاح"؟
"جهاد المناكحة" أو "جهاد النكاح"، انطلق إثر فتوى نُشرت على صفحة الداعية السعودي محمد العريفي على موقع "تويتر"، الذي كتب في آذار 2013 إن "زواج المناكحة التي تقوم به المسلمة المحتشمة البالغة 14 عاماً فما فوق أو مطلّقة أو أرملة، جائز شرعاً مع المجاهدين في سوريا، وهو زواج محدود الأجل بساعات لكي يفسح المجال لمجاهدين آخرين بالزواج، وهو يشدّ عزيمة المجاهدين، وكذلك هو من الموجبات لدخول الجنَّة لمن تجاهد به".
وقد أثارت هذه الفتوى جدلاً واسعاً في المجتمعات العربية المحافظة، وخاصة في تونس بعد نشر أخبار عن "توجّه مراهقات تونسيات إلى سوريا تطبيقاً لهذه الفتوى". تجدر الاشارة هنا إلى أنَّ هناك أعداداً كبيرة من التونسيين الذين يُحاربون في صفوف الثوار في سوريا، وتحديداً إلى جانب "جبهة النُصرة".
وعلى الرغم من نفي الداعية "صاحب الفتوى" إفتائه بذلك، وعلى الرغم مما ورد على صفحته على "تويتر" من أنها ليست الفتوى الرسمية، إلاّ أنَّها على ما يبدو لاقت استجابة خاصةً. وذكرت صحيفة "الحياة" في عددها الصادر يوم الأربعاء 27 آذار/مارس 2013 عمّا وصفته بتقارير إعلامية ومصادر من "المجاهدين" الذين عادوا إلى تونس بعد المشاركة في الجهاد في سوريا، قولهم إنَّ "ثلاث عشرة فتاة تونسية توجّهن إلى أرض المعركة تطبيقاً لفتوى النكاح".
ونشرت صحيفة "الشروق" التونسية في عددها الصادر في 22 أيلول/سبتمبر 2013 قصة "لمياء"، الفتاة التونسية التي اقتنعت أن "المرأة يمكن لها المشاركة في "الجهاد" والقضاء على أعداء الإسلام، بالترويح عن الرجال بعد كل غارة وغارة، ليصبح جسدها ملكاً لهم بمجرد أن يقرر أحد هؤلاء الظلاميين إفراغ كتلة العقد الجنسية فيها"، بحسب الصحيفة.
الشرع الإسلامي لا يعترف بـ"جهاد المناكحة"
مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، قال إنه لم يسمع بـ"جهاد النكاح"، وأضاف: "الإشاعات كثيرة والتشويه على أشدّه، وبتنا لا نعلم من "الآدمي" ومن "الأزعر"، ومن "الإرهابي" ومن الانسان المعتدل؛ الأوراق اختلطت ببعضها البعض، وفي زمن الفوضى كل شيء يحدث، لكن في الشرع لا شيء اسمه "زواج جهادي"، هذه موضة جديدة نسمعها".
بدوره، رئيس المكتب السياسي لـ"الجماعة الإسلامية" في لبنان عزّام الأيوبي، أكد أنّه "لا شك أنَّ الموضوع مختلق، ولا أصل له في الدين بنظرنا نهائياً، وبالتالي الفكرة مرفوضة كلياً؛ هناك شيء اسمه زواج، وما عدا ذلك يُعتبر خارج الاطار المعترف به". وأضاف: "من يُريد أن يُمارس هذا الشيء لا يمكن أن يكون لديه صفة الالتزام الديني أو الفهم الديني نهائياً".
وأوضح الأيوبي أنَّ "الثورة في سوريا أو في أي مكان آخر للأسف الشديد، فيها ناس من فكرة الثورة، وفيها ناس دخلت إليها للاستفادة، ولممارسة أمور غير صحيحة". وختم مؤكِّداً أنَّه في حال وجد "جهاد النكاح" فإنَّ "الدين حتماً لا يعترف به ولا يقره نهائيا،ً سواء أكان الدين الإسلامي أم أي دين آخر".
عضو "هيئة العلماء المسلمين" في لبنان الشيخ نبيل رحيم، شدّد على أنَّ "كل الموضوع كذب، إذ لا يوجد أي فصيل سوري له علاقة بالقضية"، وقال إنَّ "هذه الأخبار مختلقة وكلها من باب التشويه الاعلامي من أبواق النظام السوري وحلفائه وبعض الحاقدين على "المجاهدين" في سوريا".
"الجيش الحرّ" و"النُصرة": لا وجود لـ"جهاد النكاح" في مناطقنا
وسارع "الجيش السوري الحرّ" و"جبهة النصرة" إلى الردّ على تصريحات وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو حول عودة شابات تونسيات حوامل من سوريا في إطار "جهاد النكاح". وقال عضو القيادة العسكرية العليا لـ"الجيش الحرّ"، والقائد العام لجبهة تحرير سوريا، العقيد قاسم سعد الدين، في تصريح، إن ما يتم الترويج له في موضوع "جهاد النكاح" لتونسيات في سوريا لا يتعدّى كونه "فبركات إعلامية أو لُبسًا"، لأن ذلك يُعدّ عند الجيش الحرّ زنا كامل الأركان، وليس جهاداً".
بدوره عضو "جبهة النصرة" محمد العمر، في محافظة إدلب، شمال سوريا، نفى وجود "مجاهدات النكاح"، وأضاف في تصريح، "إنَّ الترويج لمثل هذه الأقاويل ما هو إلا محاربة للإسلام، قبل أن يكون وقوفاً إلى جانب النظام السوري المجرم ولو على الصعيد الإعلامي".
من جهتها، نددت وزارة شؤون المرأة التونسية بالظاهرة، واصفة إياها بـ"الممارسات النكراء التي تمثل خرقاً صارخاً للقيم الدينية والأخلاقية". وقالت الوزارة في بيان "إنَّ ذلك يخالف القيم التي يبنى عليها المجتمع وحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل الدولة التونسية والقوانين السارية بهذا الشأن". وحمّلت وزارة المرأة بعض "الدعاة المتطرفين" المسؤولية لتشجيعهم هذا الفعل، مشيرةً إلى أنَّ "هناك شبكات وأشخاصاً ساهموا في إقناع الفتيات بالسفر إلى سوريا تحت مسمى "جهاد النكاح.
وكالات.