الفضائيات الخليجية تحكم العرب سياسيا وترفيهيا أيضا!/ أنورالقاسم

أور القاسمأور القاسمتطورت صناعة الفضائيات العربية، والخليجية منها بالتحديد، هذه الايام، بحيث صارت دولا داخل دول، واقطارا خارج الاقطار، وبات تأثير هذا الارسال والاسترسال عابرا للحدود، خارقا للاحزاب، حارقا للمراحل، مفجرا ومتفجرا في جديد العرب وقديمهم.
ومن نجاحات الدول العربية الخليجية الساحقة عبر تاريخها، الاهتمام الخيالي بهذه الصناعة، بحيث سبقت العولمة الاقتصادية، لا بل افترست الفضائيات العربية الوطنية، كلها دون استثناء.
فمن الذي يشاهد الفضائيات السورية او اليمنية او المصرية او المغربية او الجزائرية او السودانية او الليبية او العراقية وغيرها، الا في الاعمال الدرامية الوطنية حصريا والاخبار الداخلية الضيقة الصرفة؟


الفضائيات الخليجية، لم تركب موجة الاعلام الحديث فقط، بل ركبت موجات الاقمار الفضائية، بدءا من ‘بدر’، وليس انتهاء بـ’سهيل’، وبالتالي صارت خارج المنافسة وأكبر منها.
كان الجمهور العربي عبر تاريخه يجد ضالته الاعلامية والسياسية والدرامية والرياضية والترفيهية والفنية في اذاعات القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد، ثم تلفزيونات هذه الدول، التي كانت رائدة في مرحلة غابرة.
الآن، لم تعد أي من هذه تشفي غليل المشاهد العربي بعد أن تخشبت وعلاها الغبار فعشش العنكبوت فوقها، فاحتلت أمكنتها كلها الفضائيات السياسية، ‘الجزيرة’، ‘العربية’، ‘سكاي نيوز′ والفنية والترفيهية ‘أم بي سي’ باسطولها المتنوع، و’دبي’ الترفيهية، و’روتانا’ الموسيقية والافلام، و’وناسة’ ديوان الموسيقى الخليجي وضيوفه العرب.

‘الجزيرة’: رهان حصان السبق السياسي

لا جدال أن فضائية ‘الجزيرة’ تتصدر قائمة فضائيات التأثير سياسيا ودينيا وفكريا، عبر طرح مواضيع كانت ممنوعة او اعتبرت خطا احمر، فقد ازعجت الديكتاتوريين حتى اعتبرها بعض القادة العرب ‘العدو الأوحد’، لكن ارادتها السياسية ظلت فوق كل الاعتبارات.
‘الجزيرة’، كلمة السر في الربيع العربي، بدءا من تونس، مرورا بليبيا ومصر وليس انتهاء بسوريا واليمن.
نجحت ‘الجزيرة’ في كسب عقل وقلب الشارع العربي، رغم الانتقادات والمصاعب التي تواجهها في الدول العربية كلها، والتي تؤثر على ادائها احيانا.
وصار تأثير الفضائية ممتدا ليشمل الدول المجاورة، فبدأنا نرى تحولات ايجابية من الخليج الى المغرب للأردن والجزائر فموريتانيا، وخاصة على صعيد الحريات الاعلامية والاصلاحات لاستباق اي ثورات وتحييدها.

‘العربية’: القطب الإعلامي

ثم تأتي فضائية ‘العربية’، التي فرضت وجودها المهيمن على الفضاء الاعلامي والمشهد السياسي العربي، واكتسبت نسبة كبيرة من المشاهدين، بسبب الاحتراف وتنوع كفاءاتها والامكانات المالية والفنية، وطول النفس، فصارت رقما هاما، ليس في تغطية الاحداث فقط، بل في صنعها.
تليهما قناة ‘سكاي نيوز عربية’، فبعد متابعتي لها استطيع القول إنها تسعى لان تكون خطا وسطا بين ‘الجزيرة’ و’العربية’ ولاعبا محترفا في هذا المضمار، على الصعيد السياسي العربي، وربما تحاول أخذ مكان قناة ‘ابوظبي’، مستفيدة من خبرة مهنية طويلة لـ’سكاي نيوز′ البريطانية الناجحة.
هذه الفضائيات طغت بشكل شبه كلي على كل التلفزات الوطنية العربية – بما فيها الخليجية ايضا – بحيث صارت مصدر الخبر والسبق والتعليق والتسريب، وتأثيرها على مجريات ومعطيات ومفرزات الساحة السياسية العربية غير محدود.
وتشير صحف ومحطات عالمية لتغطياتها وتأخذ منها، وما تبثه هذه القنوات يجلب اهتمام الاعلام العالمي والحكومات الغربية ايضا، بحيث بات الاعلام الغربي يصفها بمحطات السطوة .Channels with clout

‘أم بي سي’ تمتطي صهوة الترفيه

دراميا وترفيها، تأتي قناة ‘أم بي سي’، ذائعة الصيت، بباقة متشظية تعاقر كل شيء، فلا يوجد اختراع اعلامي غربي، خاصة في مجالات الافلام والترفيه والبرامج والمسابقات والتقنية الا وتستفيد منه وتستورده وتعربه ايضا، بحيث سحبت كل البسط من نظيراتها القنوات الوطنية العربية، ويمثل العاملون فيها والمتسابقون والعارضون والمشاهدون، العرب كافة، من محيطهم الى خليجهم، وبات تأثيرها طاغيا في مجالاتها.
فهل هناك أي قناة تستطيع منافسة ‘أرب غوت تالاند’ او ‘اراب ايدول’ او ‘ذا فويس′ مثلا؟ وهل هناك اي فضائية عربية قادرة على عرض احدث انتاجات ‘هوليوود’ و’بوليوود’، وانتاجات مصر وسوريا وتركيا الدرامية والسينمائية؟

‘الجزيرة الرياضية’: بطولة قطع الحواجز

رياضيا، يبدو أن قناة ‘الجزيرة الرياضية’، تُبسط حصريتها على كرة القدم في الوطن العربي، فبعد سيطرتها على أفضل الدوريات الأوروبية والعربية الكبرى، بالإضافة إلى بطولات المنتخبات ككأس العالم وكأس الأمم الأوروبية، وكأس الأمم الأفريقية، وتصفيات المونديال، باتت تسيطر على غالبية النشاطات الرياضية في الدول العربية. خاصة بعد حصولها على الدوري الإنكليزي من شبكة قنوات ‘أبوظبي’ الرياضية، فهل تستطيع اي قناة عربية اخرى تسجيل كل هذه الاهداف بشكل متلاحق وثابت وفي المرامي الرياضية كافة.

‘روتانا’ و ‘وناسة’: ‘يا عوازل فلفلو’!

في الوقت الذي تربعت القاهرة وبيروت عبر تاريخهما على كل شركات الكاسيت والتوزيع وافلام الفنانين ونشاطاتهم وصناعتهم، استطاعت ‘روتانا’ الخليجية أن تسحب هذه الصناعة بشكل شبه كلي، وباتت مالكا حصريا لمعظم فناني العرب، وسيطرت على المهرجانات والانتاج والحفلات بشكل حصري، بحيث ألغت كل نشاط غير مرتبط بها، لتأتي البرامج الفنية الاخرى على الفضائيات الخليجية ايضا وتحصد النشاطات الفنية الباقية المتبقة، فيغيب اي فنان او نشاط موسيقي وغنائي وطني، ويحل الكساد، امام هذه الامبراطورية الفنية، التي تؤازرها امبراطورية سياسية ومالية وفضائية تعرض وتحتفي بمنتجاتها.
وترفد ‘روتانا’ قناة ‘وناسة’ الخليجية، التي تعتبر ديوانا للموسيقى والغناء الخليجي، تستضيف فيه – للتنويع – بعضا من منتسبي ‘روتانا’ حصريا، ولا عزاء لمن يغرد خارج السربين.

‘الجزيرة أطفال’ و’أم بي سي 3′ أطفال

من الفضائيات، التي صارت حكما متنفسا وقبلة الاطفال في مختلف الاعمار قناتا ‘الجزيرة أطفال’ و’ام بي سي 3′ اطفال. فالجزيرة للأطفال تخاطب جمهوراً واسعاً من المشاهدين في العالم العربي وأوروبا وفي كل أنحاء العالم، عبر برامج تعليمية ترفيهية تعمل على ترسيخ الهوية العربية والإسلامية لدى الأطفال العرب أينما كانوا.
وتقدم القناة برامج متنوعة فيها المجلات التربوية والألعاب الترفيهية والرسوم المتحركة العالمية، كما أنها تعرض برامج حوارية مع الأطفال فريدة من نوعها في العالم العربي.
بالإضافة إلى قناة ‘براعم’، أول قناة عربية موجّهة إلى الأطفال في سن ما قبل المدرسة. وتتيح للموهوبين العرب فرصة اكتشاف مواهبهم الغنائية وتنميتها من خلال أداء أغانٍ من بينما تقدم ‘ام بي سي 3′ اروع واخر الاعمال الكرتونية، التي تعجز اي محطة وطنية عن الاستثمار فيها، في برامج منوعة ومشوقة صارت مهوى افئدة الاطفال في العالم العربي قاطبة.

دبي: الترفيه والسياحة والتسوق

واذا كانت الفضائيات الخليجية سيطرت على محطات الترفيه والموسيقى والدراما والمسلسلات والأفلام والوثائقية والرياضة والأطفال، فلم يبق أمامها الا السياحة والتسويق والمهرجانات والمعارض، فخفت اليها قناة ‘دبي’ بباقتها باكرا، لتكتمل خرزات وحلي الاعلام. ولتبقى التلفزات الوطنية العربية قاعات يصفر فيها الهواء وتعيش على كفاف الاعلام، بينما تجتر ذاكراتها الزاخرة بكنوز لم تستفد منها!
في هذا المناخ الاعلامي الفريد من نوعه وتنوعه، بات العربي الحديث تقولبه الفضائيات الخليجية سياسيا، وتصيغ ذوقه فنيا وتبرمجه سياحيا، وتصنع منه فأر اختبار في انتقاء ما يجب عليه مشاهدته والتفكير فيه، في ما يتسلل ايضا الى صندوق احلامه، ولتبقى التلفزات الوطنية، التي وصل قمعها المزمن للحجر على أي نشاط اعلامي خاص، فحصدت ما زرعت، وصارت في زمن التنافس فائضة عن الحاجة، فلا هي ‘كشاشة’ ولا هي ‘نشاشة’، بل هم يحزنون!
‘ كاتب سوري من أسرة

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT