على مدى سنوات عديدة ظل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يفاخر بمنح كل الحريات الفردية، والجماعية للمواطنين، فالتظاهر، والاحتجاج باب متاحا للجميع، وحتى بعض الجهات المعارضة أصبحت تشكو من الحرية المطلقة، وخلف هذا الوضع تصدعا كبيرا في جدار هيبة الدولة ككيان يمثل الجميع، ويحترمه الجميع، ويقبل بقراراته الجميع، مع ضمان طرق الرفض، والاحتجاج القانوني.
غير أن ما شهدته مقاطعة لكصر يوم أمس تجاوز كل الحدود، فلأول مرة تقوم "شرذمة قليلة" بمهاجمة رجال الأمن، وتعتدي على الممتلكات العامة دون رحمة، وكأنها أمام جنود احتلال جاؤوا لغزو البلد من خارج الحدود، والغريب المستنكر هو أن الهيئات الحقوقية، والأحزاب المعارضة تدين عادة بشدة ما تصفه القمع المفرط من الشرطة للمتظاهرين، في حين لم نسمع، ولم نقرأ أي بيان يندد بالهجوم على الشرطة، والتنكيل بأفرادها على يد عصابات مدربة ملثمة، جاءت خصيصا للتخريب، والفوضى عن سبق إصرار وترصد، فهل رجال الشرطة ليسوا مواطنين ؟ .
صحيح أنه من واجب الدولة أن توفر السكن اللائق لكل المواطنين، ولكن إذا كان كل فقير سيستولي على مال الغني بالقوة، ويحتله، ويرفض إخلاءه، فإن هذا سيشكل سابقة خطيرة، ويجعلنا نعيش في غابة، يتحكم فيها قانون القوة، وليس قوة القانون.
إن على الدولة أن تدرك أنها مطالبة بأن توازن بين متطلبات الحرية، وضوابط القانون، والأمن، فافتعال الأزمات، وخلق البلابل، والتشويش على المشهد العام لا ينبغي أن يسمح به تحت أي يافطة، لا يسمح به للأغنياء، ولا للفقراء، ولا للمعارضين، ولا للموالين، لأن أي قطرة دم تسيل من شرطي هي جرح نازف في الأمة، وأي ممتلكات للدولة يتم إتلافها يجب أن يتحمل من يفعل ذلك مسؤولياته أمام القانون، فما من هدف يبرر وسيلة العنف، والتخريب.
لقد بدا واضحا بالأمس الفرق الكبير بين الحكومة، ومثيري الشغب، فالمخربين انهالوا بالضرب على الشرطة، وخربوا كل شيء عندما استغلوا تراخي الأمن معهم، لكنهم فروا هاربين أمام التعزيزات الأمنية، وعندما دخلت السلطات، وفرضت سيطرتها لم تقم بكسر كأس، بل عملت على تأمين ممتلكات سكان الحي غير الشرعي حتى الصباح، وجاء أهلها، واستلموها، وبدؤوا بالرحيل بكل هدوء، بعد أن تم إبعاد المخربين.
إن على الدولة أن تمنع تكرار ما حدث بالأمس في كزرة ول بوعماتو، تمنعه ليس فقط بتوفير السكن للجميع فحسب، بل بفرض القانون على الجميع كذلك.
سعدبوه ولد الشيخ محمد