تشهد شركات تقديم الجنازات الحديثة في بريطانيا إقبالا متزايدا، فبدلا من المراسم التقليدية المملة للجنائز، تقدم بعض الشركات خدمات جنائزية فريدة من نوعها، وحسب الطلب.
عندما توفيت والدة روزي غرانت إثر مرض عضال، حققت غرانت أمنية والدتها بأن أقامت لها جنازة فريدة من نوعها. وبدلا من اختيار خدمة نموذجية لمراسم الجنازة على الطراز الفيكتوري الإنجليزي يقدمها العديد من المتعهدين التقليديين، رتبت غرانت وشقيقها لمراسم جنازة فريدة، يليها دفن الوالدة في الغابات، وزراعة شجرة على قبرها.
"لم تكن تلك الجنازة الأكثر أناقة أبدا، ولكنها كانت جميلة، وشارك فيها العديد من الناس بطرق مختلفة"، حسب قول غرانت.
وأطلق هذا الحدث أيضا شرارة أضاءت الطريق لغرانت البالغ عمرها 46 عاما، والتي قررت دخول تلك التجارة المتعلقة بترتيب الجنازات لمساعدة الأشخاص الذين يتطلعون إلى أن تقام لهم جنازات أكثر غرابة، أو صديقة للبيئة، أو أي جنازة من نوع خاص حسب وصية الشخص قبل وفاته.
وتقول غرانت :"بدأ الموضوع كاهتمام شخصي بالنسبة لي. فقد أردت مساعدة الأسر من أجل ابتكار طقوس الوداع الخاصة بها".
وبعد اكتساب غرانت خبرة كمديرة في مجال تنظيم مراسم الجنازات، أسست شركتها الخاصة في مانشستر عام 2005، وأطلقت عليها اسم "ناتشورال اندينغز" (النهايات الطبيعية). ومنذ ذلك الحين، نظمت الشركة العديد من الجنازات في حظائر، أو حانات، أو في منازل المتوفين، كما رتبت لدفن الموتى في مواقع محددة في الغابات. وهناك 270 موقعا للدفن في كافة أنحاء المملكة المتحدة.
وتقول غرانت: "أقضي وقتا مع أسرة الفقيد في البداية، حتى أحدد نوع الجنازة التي تريدها العائلة".
وتخصصت غرانت أيضا في توفير توابيت طبيعية وقابلة للتحلل، مصنوعة من مواد يستخدم فيها أعواد الخيزران، والصفصاف، وأوراق شجر الأناناس.
وتعد تجارتها هذه بعيدة كل البعد عن تجارة العديد من المتعهدين التقليدين في الشوارع الرئيسية الذين يتبعون طقوسا تتضمن ارتداء قبعات رسمية، واستخدام سيارات ليموزين سوداء، وتوابيت خشبية ذات طلاء متعدد الألوان، وخدمة أداء بعض الصلوات والتراتيل.
لكن مع ازدياد عدد الناس الذين يطلبون خيارات أكثر تنوعا، ظهر نوع جديد من التجارة في الجنازات الحديثة.
ويحاول العاملون في هذا المجال إحداث ثورة في قطاع أعمال الجنازات الذي تبلغ قيمته 1.5 مليار جنيه استرليني، بحسب الرابطة الوطنية لمديري خدمات الجنازات، والتي تمثل 3,900 شركة في كافة أرجاء المملكة المتحدة.
وتنظم الرابطة دورات مؤهلة للعمل في صناعة الجنازات، مثل الدبلومة المتخصصة في ترتيب الجنازات.
"ليست جنازة فخمة"
يقول مايك أوين، الرئيس التنفيذي للرابطة الوطنية لمديري الجنازات: "الناس يريدون أشكالا مختلفة عندما يتعلق الأمر بالجنازات، وبشكل متزايد. إنهم يريدونها أن تكون جيدة التخطيط، وذات طابع أقل تدينا. وهناك تركيز أكبر على مظاهر الاحتفاء بدلا من الحصول على خدمة تقليدية ذات طابع حزين".
وتلاحظ روزي إنمان كوك، مديرة مركز "الوفاة الطبيعية"، وهي مؤسسة خيرية أقيمت لتسهيل ترتيب الجنازات، أن العديد من الشركات الجديدة لإدارة الجنازات البديلة تديرها نساء.
وتضيف: "العديد منهن يبدأن هذه التجارة لأنهن شهدن جنازات مروعة لأحد أفراد العائلة، واعتقدن أن بإمكانهن إقامة جنازات أفضل بكثير. فهن لا يستخدمن السيارات السوداء اللامعة، أو العصي الفضية، إلا إذا كان ذلك ما تريده العائلة".
وعندما يزور أعضاء عائلة الفقيد أحد الفروع الثلاثة لشركة "النهايات الخضراء" في لندن، قد تقدم لهم الشمبانيا، أو شريحة من الكعك عندما يجلسون على الأريكة.
ويقول جريمي سميث، 55 عاما، الذي تولى إدارة شركة "النهايات الخضراء" في عام 2008: "لا نريد أن يشعر الناس أنهم يقدمون طلبا للحصول على قرض عقاري".
ويتابع: "نريد أن نكون طبيعيين أكثر، ولن نسأل إذا ما كانوا يرغبون في رؤية المقابض النحاسية على التابوت، وكل تلك الأمور التافهة التي نراها عند وفاة شخص ما. نريد أن نعامل الناس بطريقة لائقة".
ومثل شركة "النهايات الطبيعية"، فإن شركة "النهايات الخضراء" كما يشير الاسم تركز على إقامة ما يعرف بالجنازات صديقة البيئة. كما أنها تستخدم أكفانا وردية مشرقة، ودراجات ثلاثية العجلات لنقل التوابيت إلى مواقع الجنازات.
يقول سميث: "على مر الخمسة عشر عاما التي عملت فيها في هذه التجارة، شهدت صعود (مؤشرات) الدفن في الأماكن الخضراء كاتجاه عام. فهناك مزيد من الاهتمام بدفن الموتى في بيئة طبيعية، دون وجود مجموعات الزهور المنمقة، والنصب التذكارية المصنوعة من الرخام".
في عام 2014، نظمت شركته جنازة للمثل روجر لويد باك، بطل سلسلة أفلام "السفهاء والخيول فقط". وقد دفن لويد باك في مقابر "هاي غيت" في لندن في تابوت مصنوع من نسيج خاص.
"مقاهي الموت"
ومع ارتفاع ثمن الجنازات في المملكة المتحدة بنسبة 3.9 في المئة خلال العام الماضي، بحسب مجموعة "رويال لتأمينات الحياة والمعاشات" في لندن، فإن العمل في ذلك القطاع يمكن أن يكون مجزيا من الناحية المادية.
وتقول أوين إنه في حين أن بعض الصناعات تعاني من الركود، فإن صناعة الجنازات صامدة حتى في الأوقات الصعبة. وتضيف:" في بعض الحالات، تستدين بعض العائلات لأنها تفضل تقديم أفضل أنواع الجنازات لوداع الموتى. لذا فهي تنفق مزيدا من مئات الجنيهات، حتى لو كان عليها أن تدفع لذلك من خلال حسابات الائتمان لبضعة أشهر.
bbc