الصورة المدوية!!
بالقطع، لم يخطر للأم السورية التي ألقى البحر جثة طفلها على الشاطىء جنوب تركيا – لم يخطر لها، حتى في أكثر الكوابيس وحشية، أن طفلها سيغدو "نجم اليوم"؛ ولكن بعد أن انطفأ ...
المأساة المتجددة في "التغريبة الشامية" الناجمة عن حرب لا تلوح نهايتها في الافق، تدفق كل يوم صور جديدة صادمة لوعي العالم حيال نفسه؛ غير أن هذا الوعي يبدو حتى الآن منفصلا عن الضمير "المتوجّع"، حد أنه "يلوك" كلمات التعاطف ذاتها كل يوم؛ دون أن يتقدم بخطوة عملية واحدة للمساهمة في تخليص سوريا من حفلة الذبح والشواء التي يمارسها المتقاتلون في بلد حولوه إلى أشلاء.
لا أحد ممن هزّتهم صورة الطفل المنكبّ على وجهه عند حافة البحر جنوب تركيا عرف إسم الطفل، كما لا أحد ممن أعادوا نشرها في المواقع الإخبارية و على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي – لا أحد من كل هؤلاء يمكنه تخمين أي لأحلام تلك التي راودت أمه حين أتت به إلى الحياة، وكم من وجع نهش قلبها حين اختطفه موج البحر من بين يديها .. لا أحد، سوى أن الشعراء و كتاب النصوص الأدبية سوف ينخرطون في مقاربات تستدرج قرائها إلى البكاء، كما لو أنها لا تكفي - "الملطمة" الممتدة من سوريا إلى العراق و حولهما في هلال الدم الخصيب !
صورة جثة الطفل الذي لم يعرف أحد إسمه وغدا "نجم اليوم" لدى مختلف وكالات الأنباء العالمية، قد تكون جرجرت ضمير العالم مسافة أخرى باتجاه المزيد من "التعاطف" مع المنكوبين، وقد تحفز الصورة منظمات مهتمة بـ"حقوق الانسان" لتنظيم تظاهرات جديدة توازي او تتفوق على مظاهرة الـ20 ألف شخص في النمسا إثر اكتشاف جثث 71 لاجئاً بينهم طفلة رضيعة داخل شاحنة تبريد.
صورة الطفل "أحمد العربي" ( إسم على سبيل الافتراض ) الذي لم تمهله الحرب السورية لكي "يحاصر حصاره"، بعد نشر صور أمهات يكابدن رقصة الموج، وبعد "إنقاذ" 105 جثث أخرى من سمك البحر قبالة الشاطىء في "زوارة" الليبية – تلك الصورة التي قذفتها المأساة السورية في وجوهنا لن تكون الأخيرة، طالما أن المشتغلين في الحرب التي تطحن عظام هذا البلد لم يخسروا شيئا يحملهم على توقيفها.
تبقى الإشارة إلى أن وكالات الأنباء العالمية احتفت اليوم، بمناسبة الصورة، بإيراد معطيات جديدة لأعداد اللاجئين السوريين و الفلسطينيين الغرقى في مياه "المتوسط"، بينها أن 300 ألف من أولئك اللاجئين تمكنوا من عبور البحر خلال العام ( وصل ثلثاهم إلى اليونان وإيطاليا )، بينما شرب 2636 منهم المياه المالحة حتى تحولوا إلى جثث !
كالعادة ستواصل المنظمات الدولية المهتمة، كما وكالات الأنباء، نشر المزيد من الأرقام و الصور المتعلقة بـ"التغريبة الشامية" التي تبدو بلا نهاية، غير ان أسماء أغلب الضحايا، كما "أجمل ( طفل ) غريق في العالم" ( بالاستعارة من "غابرييل ماركيز" )، ستبقى "معلومات حصرية" لدى الآباء و الأمهات ممن حظوا بالنجاة ! "القدس" دوت كوم]
القدس