العمل الخيري في موريتانيا.. دعم للفقراء، أم وسيلة للثراء ؟! (مثير)

بدأت هيئة الرحمة - التي تديرها زوجة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز- تكبر بنت احمد أنشطتها، بتوزيع معدات صحية على بعض المستشفيات، بميزانية ضخمة بلغت 6 مليار أوقية، وقد أثار ذلك جدلا إعلاميا، وسياسيا، وإثراء للموضوع أنشر مقالا كنت قد نشرته يوم 10/6/ 2008 عندما كانت هيئة ختو بنت البخاري تملأ الدنيا وتشغل الناس.

 يعتبر العمل الخيري ومساعدة المحتاجين والضعفاء من المسائل التي حث عليها ديننا الحنيف ، كما أن العمل الإنساني ومد اليد للمحتاج سلوك حضري متمدن ، بعكس القسوة والشدة والجفاء الذي يعكس البداوة والتخلف .

بعد هذا التقديم أطل عليكم من جديد أعزائي القراء بمقال أحاول من خلاله تسليط الضوء على واقع العمل الخير في مجتمعنا الموريتاني ، أو في دولتنا الموريتانية ، وكما يقول التربويون فإن السؤال ومحاولة الإجابة من أنجع الأساليب لمعالجة القضايا ،لذلك نتساءل أسئلة نمهد بها للموضوع : هل العمل الخير في موريتانيا دعم للفقراء ، أم وسيلة للثراء؟؟ .... ربما يبدوا هذا السؤال – للوهلة الأولى – غريبا وغير منطقي ، خصوصا على من يعيش خارج موريتانيا ، وتغيب عنه حقائق  الواقع ،ولكن أذكر من هم في الداخل والخارج أنه في موريتانيا توجد عدة منظمات خيرية إنسانية ، تقدم – كما تقول – دعما للفقراء ، ولعل أشهر وأبرز هذه المنظمات ، منظمة ختو منت البخاري الخيرية ، ومستشفى ولد بوعماتو للعيون. ومع أننا هنا لسنا بوارد التقليل من شأن الدعم والمساعدة التي تقدمها هاتان المنظمتان للفقراء في موريتانيا ، إلا أننا نتساءل أسئلة نراها مبررة ، بل وضرورية تاركين للقارئ فرصة الاتفاق ، أو الاختلاف معنا ، كما نشير بادئ ذي بدء أن ما نقدمه ليس اتهاما ضد أحد ، وإنما هو مجرد قراء ووجهة نظر. ليس إلا، نقول هذا لأن ما سنتحدث عنه أصبح من " المحظور الخوض فيه " فعندما يتعلق الأمر بأشخاص بعينهم تأخذ حرية التعبير " إجازة مؤقتة " هذا من باب الإشارة – واللبيب بالإشارة يفهم –

وأعود للموضوع الرئيس لأتساءل معك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة: ألا ترون أنه من المفارقات الغريبة أنه في عاصمة مثل انواكشوط يسكنها نحو نصف مليون نسمة – أو أكثر -  هذه  العاصمة تؤمنها نحو اثنتى عشرة سيارة إطفاء فقط ، وأغلبها متهالك ، ولا يخضع للصيانة اللازمة ، ولا يمتلك أبسط الوسائل والمعدات الضرورية للقيام بمهامه ، كما أن هذه العاصمة التي تقدم للعالم العربي دروسا في الديمقراطية وحرية التعبير، هذه العاصمة ببلدياتها التسع لا تتوفر على سيارة واحدة لنقل ودفن الأموات ، أقصد سيارات تابعة للبلديات ، كما  أن هذه العاصمة " الديمقراطية " لا تتوفر على نظام صرف صحي ، ناهيك عن قاعات المؤتمرات ، والحدائق العامة ، وروض الأطفال ، والملاعب الرياضية ، ... الخ من المرافق التي تتوفر في أفقر بلديات الدول المتخلفة ، وأكاد أزعم أن انواكشوط هي العاصمة الوحيدة في العالم بهذه المواصفات " الفريدة " من نوعها . والتي تؤهلها بجدارة ، ليس إلى الترشح لتنظيم كأس العالم ، بل لدخول موسوعة "كينس " للأرقام القياسية كأكثر عاصمة تغيب فيها المرافق الضرورية.

قد يبدو هذا الكلام نوعا من هدر الوقت والفضول ، فكلنا يعرف مدينة انواكشوط ، ولكن إذا عرف السبب ، زال العجب – كما يقال - ، فسبب سرد والتذكير بهذه الحقائق عن مدينة انواكشوط  ليس من باب تشويه صورة مدينتنا ، بل السبب هو أن أذكر أيضا أنه في هذه الدولة التي هذه عاصمتها توجد العديد من المنظمات الخيرية التي تتوفر على إمكانات مادية هائلة ، فالعاصمة لديها 12 سيارة إطفاء لكن منظمة ختو الخيرية تمتلك " أسرابا " من السيارات اليابانية العابرة  للصحراء ، وثمن الواحدة منها لايقل نحو عشرة ملايين أوقية – وقد شاهدناها  أثناء كارثة الطينطان الأخيرة .

وهنا يبدو العجب فلماذا تترك العاصمة بدون دفاع مدني في حين تمنح منظمة ختو عشرات السيارات العابرة للصحراء ، والتي لو توفرت لجنودنا البواسل لكان بإمكانهم ربما منع مجزرة لمغيطي الإرهابية ، وملاحقة منفذي هجوم الغلاوية الأخير الذي راح ضحيته " شهداء " دفعوا حياتهم ثمنا للدفاع عن الوطن ، ولكن كذلك دفعوها ثمنا لتقصير قادتهم في تزويدهم بالسلاح ، والسيارات اللازمة ، وهم الذين يرابطون في الصفوف الأمامية دفاعا عن الوطن وحوزته الترابية ، في حين تمنح هذه السيارات إلى مثل هذه المنظمات – حتى ولو كانت تؤدي عملها الإنساني ؟

وهنا نطرح علامة استفهام حول مصدر تمويل هذه المنظمات ، وأعتقد شخصيا أن هناك ثلاث احتمالات لتمويل هذه المنظمات

الاحتمال الأول : أن تكون هذه الأموال الطائلة مقتطعة من ميزانية الشعب الموريتاني المسكين  ، وهنا نقول : حتى لو صرفت هذه الأموال حقا في الدعم الإنساني للفقراء والمحتاجين ، فالأمر ليس فيه "مِنة " من أحد ، وكما يقول المثل الشعبي الموريتاني " أكطع من شارب لكمن "

أما الاحتمال الثاني فهو : أن تكون هذه المنظمات الخيرية قد مولت عن طريق مساعدات تقدمها دول ومنظمات أجنبية ، وحتى في هذه الحالة فإن مصدر هذه التمويلات هو الشعب الموريتاني ، ليس لأنها جمعت باسمه فحسب ، بل لأن من جمعوها استخدموا في ذلك " الصفة المعنوية " التي منحها لهم الشعب الموريتاني في الانتخابات الأخيرة

الاحتمال الثالث هو : أن تكون عشرات السيارات والمعدات التي شاهدناها وكأنها في استعراض متوجهة إلى الطينطان ، قد تم شراؤها من الأموال الخاصة لأصحاب هذه المنظمات ، وإذا صح هذا الافتراض الأخير فإنني أشكرهم على هذه اللفتة الإنسانية ولكن أسألهم ألم تكتشفوا أن في موريتانيا فقراء ومحتاجين إلا بعد التاسع عشر من أبريل ألفين وسبعة ؟؟؟؟

وفي واقع الأمر قد يتساءل سائل محق لماذا عندما تنهب أموال الشعب وتنفق في تشييد القصور والترف لا نجد من يتطوع للاعتراض على ذلك . ولكن عندما تقوم منظمة خـــــــــــــيرية ،خــــــــــــــــتية ، بمد يد العون ومساند الفقراء ، نقيم الدنيا ولا نقعدها ، وينبري دعاة الكتابة الصحفية لكيل الاتهامات الباطلة لهذه المنظمات ؟

هذا سؤال أطرحه نيابة عن البعض ، وأجيب عليه ، بأن هناك فرق شاسع بين أن تنهب ثروات شعبك  باسم المشاريع والورشات والتكوينات ، وبين أن تنهب هذه الثروة باسم مساعدة الفقراء وتأخذ الأموال باسمهم ، فيصبح الأمر كلام حق أريد به باطل ، وأشبه الحالتين : بمن يفعل المعصية مقرا بحرمتها ، ومن يرتكبها مستحلا لها ، وأهل الدراسات الإسلامية يفهمون الفرق .

وهذا الحديث يقودنا إلى التساءل عن مصيد الخطة الاستعجالية التي أقر منفذوها أنها وقعت فيها خرقات كبيرة ، كان من نتائجها إقالة مسؤولها في كنكوصة ، هل ساهمت هذه الخطة في انخفاض الأسعار ،أو حتى استقرارها ، ؟ أم أنها انقسمت إلى ثلاثة أجزاء ، الجزء الأول لم يبرح مخازن مفوضية الأمن الغذائي ، وهذا باعتراف  أوساط رسمية ، أما الجزء الثاني فقد انتهى به المطاف في دكاكين يديرها من ارتضاهم " الخليل النحوي " لهذه المهمة ، لاعتباراته التي هو أدرى بها ، لما منحه الله من فصاحة وطلاقة لسان ، ونزاهة وتجربة سياسية مليئة بالمعانات .....( جربوهم بالدراهم والدنانير ولا تجربوهم بالصوم والصلاة )

أما الجزء الثالث فربما وجد طريقه إلى جيوب اعتادت العيش على حساب الفقراء ، وكلما وقعت نكبة أو كارثة إنسانية يخرج من بين " أنقاضها " رجال أثرياء فجأة ، ولعل المساعدات التي قدمت للطينطان ، دليل على ذلك . تلك المساعدات التي حسبناها كافية لتحول موريتانيا كلها إلى سويسرا ، أو دبي ، أو على الأقل الدار البيضاء  . بعد هذا العرض نشير إلى أن العمل الخيري في الدول التي تحترم شعبها يتم تمويله بطرق متعددة أهمها : التبرعات التي يقدمها رجال أعمال ، وفنانين ، ولاعبين رياضيين لهذه المنظمات ، كما ينظم بعض الفرق الغنائية والرياضية فعاليا ونشاطات يذهب " ريعها " إلى هذه الهيآت الخيرية ، كما أنه من المحرم في بديهيات الدول المتقدمة أن يتولى شخص يحتل منصبا رفيعا في الدولة أن يتولى رئاسة أو إدارة منظمة خيرية ، وذلك حتى لا يتهم بتسخير مقدرات الدولة لدعم منظمته ، والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك أقرب مثال على ذلك ، حيث انتظر حتى فترة تقاعده واعتزاله العمل السياسي حتى يؤسس منظمته الخيرية ، أما في موريتانيا فيحدث العكس تماما ، والسبب ربما يعرفه القارئ الكريم .

وفي الختام نشكر هذه المنظمات الخيرية على دعمها للفقراء ، وعلى فرص العمل التي وفرتها لبعض  العاطلين ، أما مصادر تمويلها ، وأهدافها الحقيقية فهي أدرى بها وسنرى هل ستستمر هذه المنظمات في العمل بعد فقدانها للسلطة ، وعندها ربما تجد الأسئلة التي طرحناها أجوبة شافية .

دمتم بخير . ووفق الله الأغنياء ، لمساعدة الفقراء ، بعيدا عن السياسة والرياء .

فــاس- المغرب/ 10/6/2008

PLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMITPLG_ITPSOCIALBUTTONS_SUBMIT